التحول في المملكة.. إصلاحات وتقدم في المؤشرات العالمية

تعد المملكة العربية السعودية الآن أهم دول منطقة الشرق الأوسط، وذلك برأي العديد من الخبراء والمتابعين إن لم يكن جلهم، وهي الآن تتخذ مساراً من التحول الملفت للنظر لاحظه المجتمع الدولي وبات دائم التعليق عليه لناحية الإعجاب به وقياسية الوقت الذي يتم به هذا التحول.

خلال العقد الماضي، اتخذت المملكة خطوات هامة نحو تعزيز مؤشرات الحوكمة، مثل سيادة القانون والمشاركة الشعبية والمساءلة والشفافية وفاعلية الحكومة، ما يحوجنا إلى تسليط الضوء على هذا التطور الملحوظ الذي حققته المملكة في هذه المجالات، مع التركيز على التزامها بتعزيز التغيير الإيجابي ولعب دور بارز على الساحة العالمية.

من الواضح أن السعودية تعمل بنشاط على تحسين أنظمة الحكم وتعزيز الشفافية ومشاركة المواطنين، وهذه الجهود المبذولة لتعزيز سيادة القانون والنظام القضائي والشفافية والمساءلة تستحق الثناء، حيث تعمل تلك المبادرات على إيجاد بيئة عادلة ومتوقعة للمواطنين والشركات، وتساهم أيضًا في بناء الثقة لدى المستثمرين وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

إن التركيز الحالي للسعودية على الاستثمار في مواطنيها وتطوير كوادرها هو خطوة إيجابية نحو ضمان تمثيل الحكومة لاحتياجات وتطلعات السكان السعوديين، وتأسيس منصات للحوار العام وعمليات صنع القرار، مثل مركز الحوار الوطني، وتشجيع المشاركة المدنية والمساهمة في تكوين مجتمع شامل.

كما أن التركيز على الحوكمة الإلكترونية والتحول الرقمي يستحق الاهتمام، وذلك عبر استخدام المنصات الرقمية والبوابات الإلكترونية، إذ تقوم الحكومة بتبسيط العمليات الإدارية وتحسين تقديم الخدمات في مختلف القطاعات، وهذا لا يزيد فقط من الكفاءة، بل يساعد أيضًا في تقليل البيروقراطية، أضف إلى ذلك تقدم المملكة العربية السعودية في مجال الحفاظ على البيئة الذي انعكس في تحقيقها لتقدم ملحوظ في أداء الحفاظ على البيئة وترتيبها الأعلى في مؤشر الأداء البيئي (EPI) عام 2020، ويعكس هذا التقدم التزاماً قوياً من الحكومة السعودية بتنفيذ سياسات وإجراءات بيئية واضحة.

وقد تجسد ذلك في برامج مثل “السعودية الخضراء” وبرنامج “حفظ الطبيعة” وهي برامج يبدو أنها قد لعبت دوراً فعالاً في التحسين الملحوظ للمملكة في هذا المجال، وتعزز هذه المبادرات الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز الاستدامة البيئية في المملكة، كما تعكس التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، هذا إلى جانب الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمستدامة، وهو أمر بات ضرورياً أيضًا، ويبدو أن المملكة قد اتخذت اتجاهًا إيجابيًا بهذا الصدد، عبر توسيع مشاريع الطاقة المتجددة وزيادة الكفاءة الطاقوية في القطاعات المختلفة، وهي مبادرات تعزز الاستدامة البيئية وتعمل على تحقيق الأهداف العالمية في هذا المجال، أيضًا يجب ألا ننسى دور التوعية والتعليم في تعزيز الوعي البيئي، بإدراج مواضيع البيئة في المناهج الدراسية وتنظيم فعاليات توعوية للجمهور، تعزز فهم الناس للقضايا البيئية وتحفزهم على المساهمة في الحفاظ على البيئة.

 

نفذت المملكة إصلاحات جريئة أبرزت اهتمامها برفاهية مواطنيها وتطلعاتهم وأصبحت لاعبًا عالميًا قويًا ومسؤولًا

 

مؤشر التعبير والمساءلة: تعزيز مشاركة المواطنين

يعتبر مؤشر التعبير والمساءلة جزءًا حاسمًا من الحوكمة الحديثة، حيث يتيح للمواطنين التعبير عن مخاوفهم والمساهمة في صنع القرارات ومساءلة الحكومة، إذ كانت المملكة تحتل مرتبة متوسطة في مجال مؤشر التعبير والمساءلة، مع درجات أقل فيما يتعلق بحرية الصوت والمساءلة وغياب العنف، الآن تدرك المملكة أهمية مشاركة المواطنين، لذلك قامت بإطلاق العديد من الإصلاحات لتمكين شعبها، إذ ساهم برنامج التحول الوطني في تعزيز ثقافة الشفافية والشمولية، ما يسمح للمواطنين بالمشاركة في صياغة السياسات والبرامج، إضافة إلى ذلك، أسهم تأسيس المركز الوطني لقياس الأداء (أداء) بشكل حاسم في تعزيز المساءلة من خلال رصد تقدم المبادرات الحكومية.

الشفافية والمساءلة: نحو الانفتاح والثقة

مؤشر السيطرة على الفساد: مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، إذ يعد مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية جزءاً من السيادة القانونية والحوكمة الجيدة، ولقد اتخذت المملكة إجراءات حاسمة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في القطاعين العام والخاص، وتعتبر منصة ELM من التطورات البارزة في هذا السياق، حيث تعمل كنظام رقمي متكامل يعزز الشفافية من خلال توفير سهولة الوصول إلى البيانات الحكومية، كما تُغيّر هذه المبادرة طريقة تداول المعلومات، وتضمن الشفافية وتعزز الثقة للانطلاق في رحلات تحولهم الخاصة.

تعزيز الابتكار والتكنولوجيا: تنمية المجتمعات المستدامة

التكنولوجيا والابتكار يلعبان دورًا حيويًا في رؤية المملكة 2030، إذ تهدف الحكومة إلى تعزيز البحث والتطوير ودعم الابتكار في مختلف القطاعات، وقد تم إنشاء العديد من المراكز البحثية والتقنية والجامعات التكنولوجية لتعزيز التكنولوجيا وتطوير المهارات الفنية، كما تم إطلاق العديد من المبادرات التكنولوجية والابتكارية في المملكة، مثل مبادرة “مدينة نيوم” ومشروع “إبداع”، بهدف جذب الاستثمارات وتطوير المجتمعات المستدامة، وتحتل المملكة المرتبة 66 من بين 131 دولة في مؤشر الابتكار العالمي، ما يدل على جهودها في تعزيز الابتكار وتنمية المجتمعات المستدامة.

مؤشر التنمية البشرية: تحسين جودة الحياة

تولي المملكة أهمية كبيرة لتطوير الموارد البشرية وتحسين جودة الحياة للمواطنين، وتعمل الحكومة على تعزيز قطاع التعليم والتدريب لتوفير فرص تعليمية وتدريبية عالية الجودة، حيث تم إنشاء العديد من الجامعات والمدارس والمراكز التعليمية في المملكة لتلبية احتياجات الطلاب وتطوير المهارات اللازمة لسوق العمل وتعزز الحكومة أيضًا التعليم العالي وتوفر منحًا دراسية للطلاب المتفوقين.

وفي مجال الصحة التي تعتبر أيضًا جزءًا هامًا من مؤشر التنمية البشرية، تعمل المملكة على تحسين خدمات الرعاية الصحية وتوفير الرعاية الصحية عالية الجودة للمواطنين، كما تم بناء المستشفيات والمراكز الطبية وتعزيز البنية التحتية الصحية في المملكة، وتحتل المملكة المرتبة 36 من بين 189 دولة في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، مما يشير إلى تحسين جودة الحياة وتطوير الموارد البشرية في البلاد.

وختاماً، لقد بدأت السعودية رحلتها نحو التحول والتحسين في مؤشرات الحوكمة وتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وتجسد هذه الجهود الدؤوبة التزام المملكة بتعزيز رفاهية مواطنيها وتعزيز مكانتها العالمية، وكل ذلك يجعل المملكة جديرة بالثناء على نجاحها في تعزيز سيادة القانون والشفافية والمساءلة ومبادئ الحكم الرشيد، عبر تنفيذ إصلاحات جريئة، أظهرت المملكة من خلالها اهتمامها برفاهية مواطنيها وتطلعاتهم، وأصبحت لاعبًا عالميًا قويًا ومسؤولًا.

رغم النجاحات الملموسة تدرك السعودية أن رحلة التميز عملية مستمرة لتعزيز مؤشرات الحوكمة وضمان استمرار التحسينات

وفي حين تستعرض المملكة نفسها بثقة على المسرح العالمي، تواصل رحلتها التحولية لتحقيق نتائج إيجابية في المؤشرات الدولية، أصبحت البلاد قدوة للدول الأخرى التي تسعى لتحقيق إنجازات مماثلة، وهذا يبرز القيادة القوية والرؤية الاستراتيجية التي تدفع مسار التقدم للأمام.

وعلى الرغم من هذه النجاحات الملموسة، تدرك السعودية أن رحلة التميز هي عملية مستمرة، فهي ملتزمة بتعزيز مؤشرات الحوكمة الخاصة بها وضمان استمرار التحسينات التي ستشكل مستقبلًا مشرقًا لمواطنيها وستلهم الآخرين للانطلاق في رحلات تحولهم الخاصة.

 

الدكتور تركي فيصل الرشيد أستاذ زائر في جامعة أريزونا – كلية الزراعة وعلوم الحياة، قسم هندسة النظم الحيوية.

شارك في تأليف كتاب “قدرات الإدارة الإستراتيجية في القطاع العام: الإدارة العامة في دول الخليج”. يعمل حاليًا على تاليف كتاب عن تحديات التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية.

Comments

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *