مع عظم التحديات التي تواجه المنطقة العربية، وفي ظل مشاركة فاعلة للرؤساء والزعماء العرب الذين توافدوا على المملكة، احتفت قمة جامعة الدول العربية الأخيرة، التي تجمع 22 دولة عضواً والتي شهدت مشاركة دولة سوريا للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان، بثقة السعودية كرئيسة للفترة المقبلة. وخلال القمة، اعتمدت الدول الأعضاء إعلان جدة الذي يبرز أهمية التنمية المستدامة والأمن والاستقرار والسلام باعتبارها حقوقاً جوهرية لجميع المواطنين العرب، ولتحقيق هذه الرؤية الطموحة، يصبح لزاماً على الجميع توحيد الجهود والتعاونبين جميع الدول العربية، وهو ما أكده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته الافتتاحية من التزام الدول العربية بتحقيق السلام والتنمية المستدامة، سعيًا لتجنب تحول المنطقة إلى منطقة الصراع
الحكومات العربية قادرة على تعزيز الأمن الغذائي بتوفير الإعانات الغذائية للأسر ذات الدخل المنخفض وتنفيذ برامج التثقيف التغذوي بالمدارس وإنشاء بنوك الغذاء
وفي خطاب ولي العهد، أبرز أن العالم العربي يمتلك إمكانات كبيرة، بفضل تراثه الثري الثقافي ورأس المال البشري والموارد الطبيعية، لتحقيق التنمية المستدامة بمختلف قطاعاته، وأن تحقيق هذا النجاح يتطلب اعتماد وتنفيذ الأبعاد الأربعة للاستدامة: الاقتصادية، والاجتماعية، البيئية،والبشرية.
وفي هذا السياق تجسد المملكة العربية السعودية التفاني في أبعاد الاستدامة بقيادة الملك سلمان وولي العهد، وقد قامت بتصميم رؤية 2030 الطموحة لخفض تبعية الاقتصاد واعتماده على النفط وتعزيز التنويعا لاقتصادي والتحديث، إذ يتيح هذا الإطار الإصلاحي للاقتصاد والمجتمع إيجاد نقاطات صال بين الأمة والعالم.
إن توطيد الاستدامة في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي له أهمية جوهرية، تتعلق بتبني السياسات العامة الملائمة والفعالة لصالح السكان، فأولاً، تتأثر الاستدامة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر بالسياسات العامة والحوكمةالفعالة لتعزيز الممارسات المستدامة، وهنا يتعيّن على الحكومات دعم مثل هذه الأنشطة في القطاع الزراعي عبر تكثيف الاستثمارات في مجال البحث والتطوير، وتقديم المساعدة المالية للمزارعين، وتنفيذ سياسات متعلقة باستخدام الموارد المتجددة وتشجي عالى الإنتاج الغذائي المحلي.
برنامج حساب المواطن في المملكة يُعتَبر مثالاً على جهود الحكومة المستمرة لدعم الأسر المؤهلة
إن هذه الإجراءات لن تحدّ من استعانة دولا لخليج بالواردات الغذائية فحسب، بل ستساهم أيضًا في خلق فرص عمل في القطاع الزراعي، حيث إن المملكة العربية السعودية قد نجحت في بناء أكبر سعة تخزين للحبوبب ا لشرق الأوسط بلغت 3.5 مليون طن في عام 2023.
نجحت المملكة في بناء أكبر سعة تخزين للحبوب بالشرق الأوسط بلغت 3.5 مليون طن في عام 2023
ثانيًا، تساهم السياسة العامة بقوة في تحقيق الاستدامة الاجتماعية، من خلال التركيز على تحسين إمكانية وصول جميع المواطنين للغذاء، في الحكومات العربية قادرة على تعزيز الأمن الغذائي بتوفيرالإعانات الغذائية للأسر ذات الدخل المنخفض وتنفيذ برامج التثقيف التغذوي في المدارس وإنشاء بنوك الغذاء لتوزيع الطعام على المحتاجين. وبرنامج حساب المواطن فيالمملكة العربية السعودية يُعتَبَر مثالاً على جهود الحكومة المستمرة لدعم الأسر المؤهلة.
ينبغي تعزيز البحث والتطوير في القطاع الزراعي ومنح المساعدة المالية للطلاب المتخصصين في الزراعة
ثالثاً، يتعين المضي قدماً نحو تحقيق الاستدامة البيئية من خلال العمل على الحد من هدر الطعام وتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة، من خلال تحفيز المزارعين على تطبيق ممارسات الزراعة العضوية وتبني السياسات التي تقلل استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة، كما يُنصح بالاستثمار في تطوير التقنيات الموفرة للمياه. وفي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال،تبنت وزارة البيئة والمياه والزراعة في عام 2018 خطة عمل للزراعة العضوية بتوجيه 750 مليون ريال سعودي (200 مليون دولار) لتنفيذها
تعتبر التنمية المستدامة مهمة للغاية للعالم العربي خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية
بالإضافة إلى ذلك، يُمكن للسلطات المعنية أن تُقلل من إهدار الطعام، عبر وضع سياسات تَدعم التبرعات لمنتجي الأغذية للكميات الزائدة من الطعام لصالح بنوك الطعام، إضافة إلى تحفيز المنازل على تقليل هدرالطعام عن طريق التسميد وإعادة التدوير.
وتتيح السياسة العامة المُصَمَّمة لتحسين الوصول إلى التعليم والتدريب في القطاع الزراعي تيسير التنمية البشرية، ويُمكن للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في برامج التدريب التي تقدم للمزارعين المهارات اللازمة لتبني ممارسات الزراعة المستدامة، وتعزيز البحث والتطوير في القطاع الزراعي ومنح المساعدة المالية للطلاب المتخصصين في الزراعة
ولا يقتصر الأثر على زيادة الإنتاجية الزراعية، بل يُساهم أيضاً في تطوير قوى عاملة ماهرة قادرة على دعم نمو البلدان اقتصاديًا، كما في المشروع المشترك بين الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والحكومة السعودية في منطقة جازان إلى جانب إنتاج محاصيل البن والمانجو بتدريب 30 ألف مزارع صغير.
إن السياسات العامة وإطارات الحوكمة تساهم في خلق بيئة زراعية مستدامة وفعّالة للمملكة العربية السعودية والعرب عموماً، كما أن المبادرات الحكومية مثل رؤية 2030 تُعالج قضايا التنمية الزراعية المستدامة لتحفيز الإنتاج الغذائي، وتعد عمليات صنع القرار والتعاون البيني مهمة لتنفيذ السياسات بمشاركة جميع الجهات المعنية
تعزيز السلام والاستقرار يعتمد على الاهتمام بالأمن الغذائي وسن السياسات اللازمة لضمانه
في النهاية، تعتبر التنمية المستدامة مهمة للغاية بالنسبة للعالم العربي، حيث يتواصل القلق بشأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتنمية البشرية، وتعزيز السلام والاستقرار يعتمد على الاهتمام بالأمن الغذائي وسن السياسات اللازمة.
عن الكاتب
الدكتور تركي الفيصل الرشيد أستاذ زائر في جامعة أريزونا. كلية الزراعة وعلوم الحياة، قسم هندسة الزراعة والنظم البيولوجية.. مؤلف كتاب “استراتيجيات التنمية الزراعية:التجربة السعودية”.
Leave a Reply